حرية برس : زواج سوريات بمقاتلين أجانب.. عواقب قانونية واجتماعية خطيرة
أطلق ناشطون حملة “مين زوجك” منذ قرابة الشهرين للحد من انتشار ظاهرة زواج السوريات من مقاتلين أجانب التي بدأت بالتزايد ولاسيما في العامين المنصرمين في كل من مناطق ادلب وريفها وريف حلب، وريف حماة الشمالي حيث تتميّز هذه المناطق بأنها ذات كثافة سكانية عالية، وتسيطر عليها تنظيمات إسلامية.
ظاهرة زواج السوريات من مقاتلين أجانب انتشرت في السنوات الأربع الأخيرة تزمناً مع توافدهم إلى سوريا، وانضمامهم إلى الفصائل الاسلامية المسلحة كتنظيم الدولة الإسلامية وهيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني ومجموعات الأوزبك والقوقاز.
الحملة انطلقت في أولى خطواتها من خلال جمع إحصائيات عن حجم الظاهرة بأكملها، وبعد شهر من البحث والإحصاء توصل فريق الحملة إلى أن عدد السوريات المتزوجات من أجانب قد وصل إلى 1735 امرأة ، 193 منهن أرامل ومطلقات ، و 165 أزواجهن مفقودين، و1124 منهن لديهن أولاد.
وقال “عاصم زيدان” المنسق الإعلامي لحملة “مين زوجك” إن هذه الأرقام كبيرة ويجب عدم الاستهانة بها، وأضاف في حديثه مع حرية برس مبيناً أن هذه الأرقام استدعت منهم التحرك بسرعة لمنع تفاقم الحالة أكثر، وبدأوا في جلسات حوارية توعوية ونقاشات هادفة بالتعاون مع مراكز نسائية، إضافة إلى جلسات خاصة تقوم بها الناشطات في الفريق في المنازل، وذلك للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من النساء. ثم توسّع عمل الحملة ليستهدف أيضاً أولياء الأمور من خلال بوسترات وبروشورات تحمل رسائل موجهة إلى الأنثى وإلى ولي الأمر على حد سواء، إضافة إلى نصوص تحذّر من سلبيات هذه الظاهرة التي تعود بالضرر على الأسرة السورية والمجتمع السوري ككل، وتم تداول بعض الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعية مثل “هوية ابنك أولوية”.
وأضاف “زيدان” أن الحملة حققت أحد أهدافها وهو التفاعل والمناصرة الكبيرة للحملة، سواء من قبل السكان المحليين، أو المركز النسائية، ورجال الدين، وحتى المحامين أيضاً. فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي التي لاقت فيها الحملة رواجاً كبيراً، وعلى الرغم من “تعرّض الفريق في الداخل إلى ملاحقة من قبل التنظيمات التي تضم مقاتلين أجانب أو من قبل المقاتلين الأجانب أنفسهم، إلا أن العمل ما زال مستمراً والفريق يكبر يومياً”.
وكان فريق الحملة قد قام بدراسة للأسباب التي دفعت السوريات للزواج من أجانب وخلصت النتيجة إلى أن الدوافع كانت بنسبة 41% جهل وقلة وعي، و36% تأثر بالتطرف، بينما تراوحت النسب الباقية بين أسباب مادية وحب للسلطة، وفي هذا السياق علّق “زيدان” بأن الحملة ليست بصدد علاج الأسباب التي أدت إلى ولادة هذه الظاهرة، لكن الهدف الأساسي الحالي هو الحد من تفاقمها، وتوعية الناس بفداحة هذا الزواج، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يتوسع عمل الحملة مستقبلاً ليشمل التعاون مع هيئات قانونية ومجالس محلية ومحاكم حرة.
ما هي الآثار القانونية المترتبة على زواج السورية من الأجنبي؟
سعت “حرية برس” لاستيضاح الأثر القانوني المترتب على زواج السورية من أجنبي، والتقت بالأستاذ المحامي والناشط الحقوقي البارز “ميشال شمّاس” الذي أوضح أن القانون السوري لا يعترف بزواج السورية من أجنبي إلا ضمن شروط خاصة، أهمها موافقة وزارة الداخلية على الزواج، وشهادة صحية تضمن الخلو من الأمراض، وأن يتم الزواج في المحكمة.
وأضاف الأستاذ “شمّاس” أن زواج السوريات بالأجانب هي حقاً مشكلة “عويصة” لأنها أولاً : نتاج اقتران مع الإرهاب، و ثانياً : لا يوجد في القانون السوري ما يعالج هذه المسألة، وثالثاً : معالجة هذه المشكلة تتطلب تشريع قانون جديد يعالج هذه المسألة باعتبارها قضية إنسانية.
ويجب التفريق هنا بين مسألتين، بالنسبة للمولودين من أم سورية وأب أجنبي، وهنا يجب أن تتحمل الدولة السورية علاج هذه المشكلة، وهناك المولودين من أبوين أجنبيين وهؤلاء يجب ترحيلهم إلى بلدانهم فوراً.
وأكد الأستاذ “شمّاس” أن مسألة زواج السوريات من أجانب يترتب عليها نتائج خطيرة في حال لم يتم إيجاد حل لها في أقرب وقت، فجميع الأولاد المنحدرين من أب أجنبي وأم سورية، ومحرومين من الجنسية والنسب، عبارة عن قنابل موقوتة لا يُعرف متى تنفجر. وفي إطار السيطرة على نتائج هذه الظاهرة يتعيّن على الهيئات تسجيل هذه الزيجات والولادات في سجل خاص لحين إيجاد حل، وتوسيع حملات التوعية بمخاطر وسلبيات زيجات كهذه.
هذا من الناحية النظرية ووجهة نظر القانون السوري، أما كيف تعاملت المحاكم السورية في المناطق المحررة من سيطرة نظام الأسد؟ فقد أوضح الأستاذ “علاء الجمل” رئيس محكمة بداية الجزاء في اعزاز لـ “حرية برس” أن المحكمة تسجل عقود زواج السوريات من أجانب في حال كان يحمل أوراقه الثبوتية كاملة (الهوية وليس اللقب) وهو أمر ليس بالمحظور إلا إذا كان الزوج من دولة معادية للثورة والشعب السوري، أو كان مسيحياً.
أما بالنسبة للطفل المولود من أم سورية وأب أجنبي، فيتم تسجيله في النفوس إذا وافق شرطين : الأول أن يكون مولوداً في سوريا، والثاني أن يكون مجهول النسب (أي لا يُعرف نسب أبيه). حيث عالج القانون السوري هذه الحالة في المادة الثالثة من قانون الجنسية السوري الصادر عام 1962 والمُعدّل بنص القانون 1967 المادة الثالثة الفقرة الثانية، وفي هذه الحالة يتم تثبيت واقعة الزواج وجهالة النسب أمام القاضي الشرعي ويُمنح الطفل الجنسية السورية من جهة الأم حكماً. أما في حال كان معلوم النسب فالقانون السوري لا يمنح الطفل جنسية الأم. و في حال كان الوالد ما يزال على قيد الحياة فيجب أن تلجأ الأم إلى أقرب محكمة، وتقوم بإلزام الزوج بتثبيت الزواج، وتثبيت اسم الزوج الحقيقي في المحكمة لتحفظ حق الطفل.
وأعلن الأستاذ “الجمل” دعمه لحملة “مين زوجك” مشيراً أنها تأخرت ثلاث سنوات، وظهرت بعد أن “وقعت الفأس بالرأس” ، حيث كان يجب إطلاقها عند بدء ظهور تنظيم الدولة الإسلامية. وأضاف الأستاذ “الجمل” : “نحن الآن نعالج نتائج ما حصل، وكان بالإمكان منع حصول ما حصل من زواج السوريات من مجاهيل جلّهم عملاء مخابرات، أو مجاهيل ليسوا على دين الإسلام”.
وأشار الأستاذ “الجمل” إلى أن أحكام محكمة بداية الجزاء في اعزاز مستمدة من القانون السوري بإسقاط على دستور 1950 ومبادئ الثورة.
لكن، ماهي الأسباب التي تدفع السورية للزواج من أجنبي؟
رصد أحد المراكز النسائية في مدينة ادلب هذه الظاهرة، وأشارت مديرة المركز إلى أن القاسم المشترك بين جميع النساء اللواتي تزوجن من مقاتلين أجانب هو أنها تمتلك نقطة ضعف، (كالنزوح، عدم وجود معيل، أم لأيتام)، كما لعب الجهل دوراً كبيراً حيث أن غالبية النساء المتزوجات من أجانب (بحسب ملاحظة المركز لعدة حالات) مازلن في مطلع الشباب، ولا يملكن أدنى فكرة عن تبعات هذا الزواج أو رأي القانون فيه.
وأضافت مديرة المركز أنها التقت شخصياً ببعض الحالات، وكان الزواج بأجنبي بالنسبة لهن هو عبارة عن تجربة جديدة، ومختلفة كلياً عن تجاربهن السابقة، حيث شعرن باختلاف في المعاملة عن زيجاتهن السابقة، وأغفلن تماماً ناحية نسب الأطفال.
وأبدت مديرة المركز دعمها وسعيها لمثل هذه الحملات مؤكدة على ضرورة تسجيل عقد الزواج باسم الزوج بالكامل وهويته وجميع المعلومات عنه قبل الإقدام على خطوة كهذه، حيث أن بعض العقود تتم من خلال استخدام لقب الزوج ويعقدها أي رجل دين في المنطقة، دون أي تثبيت في المحاكم الموجودة في المناطق المحررة.