دور الضحايا السابقين وأهالي المختفين في مناصرة قضية المغيبين قسرياً
” تم رفضي أكثر من عشرين مرة للعمل ضمن المنظمات الإنسانية” هكذا قال سعيد عندما تحدث لنا عن أثر تجربة الاعتقال لدى هيئة تحرير الشام حيث يعاني معظم الناجون والناجيات من مشاكل متعددة في حال استطاعوا النجاة من المعتقل معظمها متعلقة بالنظرة المجتمعية والوصمة وتخوّف المجتمع من التعامل معهم\ن أو اتاحة فرص عمل لهم\ن ضمن مجتمعاتهم ما يجعلهم يعيشون في بوتقة من المعاناة يصعب الخروج منها تؤدي بأغلب الأحيان لمشاكل نفسية واجتماعية وغير ذلك.
يقول سعيد: “رغم أنني حاصل على شهادة جامعية تخولني العمل في مجالات متنوعة إضافة لمهاراتي المتعددة والتي استخدمتها قبل الاعتقال للعمل مع ما يزيد عن أربع منظمات إنسانية على مدار اربع سنوات تقريبا الا أن ذلك كله لم يشفع لي حيث تم رفضي للعمل مرات عديدة، لم أجد مبرر لذلك سوى انقطاعي لمدة عامين عن العمل الإنساني وهي فترة اعتقالي لدى هيئة تحرير الشام حيث يصعب قبول سيرة ذاتية كان صاحبها مغيّب آخر عامين عن العمل كما أخبرني العديد من الأصدقاء العاملين في مجال العمل الإنساني”
شكّل ذلك الامر لدى سعيد تحدٍ كبير واصرارا أكبر على العمل من أجل مناصرة قضية المعتقلين من نجى منهم ومن لم يزل قيد الاخفاء القسري ايمانا منه بضرورة العمل على هذه القضية لانها قضيته كما وصفها وأنه من الصعب أن ينسى الأشخاص الذين صادفهم خلال تنقله بين سجون هيئة تحرير الشام شمال سوريا ما دفعه للمشاركة والعمل سعيا لرفع صوت المغيبين قسرا من جهة ودعما لمن نجى منهم من جهة أخرى رغم ضيق الدعم لقضايا المعتقلين والمغيبين قسرا ما يجعل الاستمرارية عملا شاقا وصعبا.
يضيف سعيد “الدافع الأساسي والاكبر لمشاركتي في حملات المناصرة لقضايا المغيبين قسرا هي مواجهتي اليومية للمشاكل النفسية التي خلفتها تجربة الاعتقال تلك والتي غالبا ما توقظوني من نومي على صوت السجان وأصوات التعذيب وكل التفاصيل التي لازالت قابعة في مخيلتي ما صغر منها وما كبر، محاولتي في المساعدة أيا كانت تساعدني في تجاوز الكثير من المشاكل النفسية التي خلفتها تلك التجربة التي يصعب تجاوزها”
ويؤكد سعيد على ضعف الاعلام ومدى قدرته على الحشد والمناصرة في الوصول والتحري والحديث عن الأشخاص المغيبين لدى هيئة تحرير الشام أو حتى الناجين من سجونهم ولا زالوا يواجهون خطرا كبيرا وعائلاتهم جراء البقاء داخل سوريا ما يعني ترك هذه القضية وأهلها وحيدين يواجهون قضية بحجم قضية المعتقلين مفردهم ويعرضهم لموجات انتقامية تكاد تكلفهم حياتهم بسبب مواقفهم المعلنة.
على الرغم من اعتبار أعمال الاختفاء القسري جريمة ضد الكرامة الإنسانية وإنكاراً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة وانتهاكاً خطيراً وصارخاً لحقوق الانسان والحريات الأساسية التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الانسان وأعادت تأكيدها وطورتها الصكوك الدولية الصادرة في هذا الشأن حسب الجمعية العامة لحقوق الانسان الا أن المجتمع الدولي والمحلي لم يحرك ساكنا تجاه قضية الاختفاء القسري لدى هيئة تحرير الشام شمال سوريا وتم تركهم للمجهول.
لأن من أهم قواعد التنظيم المجتمعي الخاص بمناصرة قضية اجتماعية في المجتمع هو أن يكون القائمون عليها هم أصحاب القضية نفسها ولهم تجارب عملية في هذا الشأن كي يتمكنوا من معرفة تفاصيلها وحيثياتها وكيفية العمل عليها للوصول الى تحقيق أهدافها وانهاء المعاناة المرافقة لهذه المشكلة الاجتماعية، شارك العديد من الناجين والناجيات في دعم قضايا الاختفاء القسري بأدواتهم المتوفرة.
تقول” ربا ” الناجية من سجون هيئة تحرير الشام “لم يكن الأمر سهلا وكلفني الكثير من المعاناة النفسية اثر العنف الذي تعرضت له في المعتقل على الرغم من مكوثي لأشهر قليلة إلا أنها مرت كأنها سنوات طويلة ما دفعني للعمل في مجال العنف القائم على النوع الاجتماعي ومناصرة ودعم النساء اللواتي تعرضن للعنف وبالتحديد الناجيات من الاعتقال”
عملت ربا لسنوات طويلة في هذا المجال مؤكدتا أهمية عدم تجاهل أنواع العنف الذي تتعرض له النساء في معتقلات هيئة تحرير الشام وأثرها لاحقا على الفرد والمجتمع وما يمكن أن تنتجه تلك الممارسات التي من المفترض أن تكون تحت الرقابة الدولية منعا للانتهاكات التي تعرضت ولا زالت النساء تتعرض لها في المعتقلات على اختلاف سبب الاعتقال.
تعتقد ربا أن عملها لا يقل أهمية عن عمل الآخرين في مناصرة قضايا الاختفاء القسري كونها شاركت ولازالت تشارك في كل حملة أو ندوة أو مؤتمر أو اجتماع يتيح لها الحديث عن العنف الممارس ضد النساء في المعتقلات والحالات التي تعاملت معها ومدى تعقيدها وخطورتها على الفرد والمجتمع في حال تم تجاهلها.
أثرت قضية الاختفاء القسري على ملايين الأشخاص وذويهم كونها ظاهرة منتشرة عند كل أطراف الصراع السوري بشكل نسبي، وكونها أيضا شديدة التأثير على ضحاياها فأغلب الذين تم اعتقالهم على خلفية سياسية تم تصفيتهم او اخفائهم قسريا وتغييبهم الى الان ما يدّعي حشد الجهود كافّة لمناصرة قضية المختفين قسريا.