الاستراتيجية التي تتبعها هيئة تحرير الشام في إخفاء الضحايا وطرق اعتقالهم دون أوامر قبض
تتفاوت أساليب الاعتقال من جهاز امن الى اخر فالدول المتحضرة تتخذ إجراءات الاعتقال وفق لخطورة المتهم والتهمة الموجهة له، فكثير من الأحيان يتم طرق باب الشخص وإبراز هوية الشرطي ومن ثم ابراز قرار القبض الصادر عن النيابة العامة، وفي حالات قليلة جدا تلجأ الى العنف المضبوط جدا وذلك حفاظا على السلامة العامة فهي تتبع الإجراءات الاعتيادية، واذا ابدى المتهم عدم رغبته بانصياع الأوامر او بدأ بالمقاومة فحينها يتم التعامل معه بأساليب غير مؤذية جسديا كاستخدام الهراوات والقوة الجسدية لضبط المتهم وإحضاره الى العدالة.
كثيرة هي مشاهد المطاردات التي يتم بثها عبر الشاشات أحيانا ويتم من خلالها مطاردة المتهم لساعات دون استخدام الأسلحة النارية ودون إيذاء الشخص جسديا وهذا طبعا في حالات نادرة جدا، أما في المنطقة الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام شمال سوريا فلا يكاد يمر يوم الا ونسمع عن إصابات بأعيرة نارية يتعرض لها المتهمون اثناء اعتقالهم وذلك بسبب استخدام هيئة تحرير الشام لأساليب عنفيه شديدة القسوة اثناء عملية الاعتقال وتتراوح بين التعرض المباشر للمتهم بالقوة الجسدية الى استخدام الأسلحة النارية بشكل مفرط مما يؤدي الى موت المتهم في كثير من الأحيان وذلك يعزى لخوف الأمنيين من المتهمين بسبب انتشار الأسلحة غير المرخصة في المنطقة بشكل كبير وأيضا لترهيب الناس وفرض سلطة الامر الواقع عليهم.
تنقسم استراتيجية هيئة تحرير الشام في إجراءات عملية الاعتقال الى عدة اقسام بحسب نشطاء حقوقيين، قسم القضايا المدنية غير الجرمية مثل معاملات الزواج والطلاق والخلاف على الإرث وقضايا المرور حيث تتبع أسلوب التبليغ المباشر بموعد المحاكمة وذلك عن طريق عنصر واحد يتم فيها توقيع المتهم على وصل استلام الدعوى بدون التعرض له جسديا او اعتقاله كما يروى “احمد عادل” حيث تم استدعاءه الى المحكمة بموجب مذكرة استدعاء وقع على استلامها قبل ثمانية وأربعين ساعة من جلسة القضاء لحضور قضية خلع رفعتها عليه زوجته السابقة ويذكر احمد انه في ذلك اليوم تم طرق باب شقته في ادلب وعندما فتح الباب وجد شخص مدني ولا يرتدي الزي الرسمي للشرطة المدنية في ادلب يطلب منه التوقيع على وصل استلام التبليغ الخاص بالمحكمة ودون الإفصاح عن فحوى القضية او تبيان نوع القضية التي سيحضرها.
والقسم الثاني هو القضايا المدنية الجرمية مثل السرقة والقتل حيث تتبع أسلوب المداهمة المباشرة والخاطفة فيتم بموجبها اقتحام المكان دون سابق انذار واطلاق النار بشكل مباشر اذا حاول المتهم الهرب او المقاومة وتحطيم اثاث المكان والتفتيش بشكل عشوائي وسريع ومن ثم اقتياد المتهم وهو مغطى العينين ومربوط اليدين ووضعة في صندوق سياراتهم بشكل مذل وهذا الأسلوب بالعامية يطلق علية (التطبين كناية عن طبون السيارة)
تذكر سعاد وهي امرأة اربعينية كيف كانت عملية اعتقالها وهي متهمة بقتل زوجها الذي تبين لاحقا انه قتل على يد اخيه بسبب خلاف على الإرث, تقول سعاد عند الساعة الرابعة عصرا من تاريخ 14/5/2021 كنت في منزلي الكائن في حي القصور في ادلب والذي انتقلت الية بعد انتهاء فترة العزاء بزوجي المتوفي لأقضي فيه فترة العدة الشرعية, في ذلك التاريخ لم اشعر الا برجال مدججين بالسلاح اقتحموا منزلي وانا بلباس البيت لم يسمحوا لي بالكلام ولا باحتضان ابني ذو الخمس سنوات الذي ركض نحوي من الخوف اغلقوا فمي وربطوا يداي الى الخلف واعصبوا عيناي واقتادوني بشكل وحشي على سلم البناية ووضعوني بصندوق سيارة وعندما حاولت عدم الدخول انهال علي احدهم بالسباب والضرب بيده الى ان اغمى علي ولم استيقظ الا وانا في زنزانة صغيرة وسجانة تحاول ايقاظي برش الماء علي واعطتني رداء اسود كي ارتديه.
والقسم الثالث هو القضايا الأمنية وهنا يتم اتخاذ اقسى الأساليب في عملية الاعتقال ومن النادر ان ينجوا المتهم من الأذى الجسدي أو الموت أحيانا, تستخدم هيئة تحرير الشام أسلوب الصدمة للإيقاع بالمتهم فإما ان يتم اقتحام مكان اقامته مع اطلاق النار على كل شيء يتحرك والهجوم على المتهم والسيطرة عليه بجميع الأساليب المتاحة والتي قد تصل الى اصابته بالأعيرة النارية لمنعه من استخدام أي أسلوب للمقاومة كما حدث من “علي أحمد” وهو نازح من مدينه حماه يسكن في مدينة حارم ويعمل في نجارة الأبواب, يذكر علي انه عندما كان في محلة ويعمل بشكل اعتيادي تفاجئ بأطلاق نار مباشر عليه في قدمة اليسرى دون سابق انذار وسحبه وهو مصاب من شعر رأسه وتعرضه للركل والضرب بشكل كثيف واقتياده الى جهة مجهولة ليبقى فيها عدة اشهر وتعرضه للتعذيب رغم عدم اثبات الأدلة علية.
كما تذكر نهله وهي زوجة معتقل مختفي قسريا في سجون هيئة تحرير الشام عملية اعتقال زوجها والتي تمت في مدينة دارة عزة فتقول “كنت وزوجي في منزل اهلي الكائن في مدينة دارة عزة شمال حلب وبعد قضاء عدة ساعات هناك توجهنا الى منزلنا باستخدام دراجة آلية وطوال الطريق كان زوجي يخبرني انه شعر ان هناك احد يراقبه وماهي الا لحظات حتى ارتطمت بنا سيارة من نوع جيب ستنافيه واسقطني انا وزوجي على الأرض ونزل منها خمس مسلحون وبدأوا بضرب زوجي وهو ممدد على الأرض وحملوه ووضعوه بالسيارة وتوجهوا نحوي وشدو يدي لإبعادي عن الدراجة الآلية واحدهم اقتادها وانطلق بها وبقيت وسط الشارع ممده على الأرض والدماء تنزف من جبهتي الى ان اتى احد المارة وساعدني واوقف سيارة مدنية واتجهوا بي الى المشفى”
في ضوء تحليل استراتيجية هيئة تحرير الشام المتبعة بالاعتقالات افاد فريق الرصد والمتابعة في فريق توثيق انتهاكات جبهة النصرة JNVان هناك عدة اهداف تطمح الهيئة لتحقيقها وتنقسم الى قسمين القسم الأول اهداف مباشرة تتلخص بأتباع أساليب عنفيه مع المتهمين كي تحصل منهم على معلومات واعترافات بشكل اسرع وذلك بوضع المتهم بجو من الخوف والرعب منذ لحظة اعتقاله الى مثوله امام المحقق لافتقار أجهزة الهيئة التحقيقية الى أساليب البحث الجنائي , فهي غير قادرة على مواجهة المتهم بالأدلة الدامغة كبصمة اليد او تحليل حمض DNA ولا تملك معلومات مصورة عن كل المناطق الخاضعة لسيطرتها فهي تحتاج الى الضغط على المتهم كي يعترف وفي الكثير من الأحيان يعترف المتهم بقضايا لم يفعلها بسبب أساليب الضغط النفسي والجسدي المتبعة لدى هيئة تحرير الشام.
كما ان الهيئة تتبع هذا الأسلوب خوفا من اتلاف الأجهزة الالكترونية فهي تحتاج بشكل رئيسي الى سجل مراسلات المتهم كي تواجهه بها فشبكات الاتصال في المناطق الخاضعة لها لم تراقب الا بالفترة الأخيرة.
بالإضافة الى حالات السرقة فعناصر الهيئة يتسابقون اثناء حملات الاعتقالات او المداهمة للتفتيش وتحطيم اثاث المنازل بحثا عن ما خف وزنه وغلى ثمنه وهذا ما يبرر الهمجية المفرطة التي يتميز بها عناصر هيئة تحرير الشام اثناء عمليات الاعتقال حيث يؤكد أحد الناشطين الذي تم اعتقاله سابقا على يد هيئة تحرير الشام والافراج عنه لاحقا أنه وصل بهم الأمر لخلع بلاط منزله بحثا عن الذهب والأموال لأنهم يعرفون أن حالته المادية جيدة.
القسم الثاني اهداف غير مباشرة فهي باتباعها هذه الأساليب تحاول هيئة تحرير الشام نشر الرعب بين الناس كي تثبت سطوتها وتسيطر بالحديد والنار على السلطة كما انها باتباعها هذه الاستراتيجية تحاول تكميم الافواه وقمع أي راي معارض لها ولسياساتها في المنطقة.
تبيّن استراتيجية هيئة تحرير الشام التي تتبعها في عملية الاعتقال مدى عدم التزامها بمبادئ حقوق الانسان المعمول بها حول العالم ومدى الاستخفاف بأرواح المواطنين القاطنين تحت سيطرتها وتبين حجم الجرائم ضد الإنسانية التي قامت ولا تزال تقوم بها حتى اللحظة.