التعقيدات الاجتماعية والمدنية المتعلقة بالوضع العائلي لزوجات وأولاد المختفيين قسرياً
غالباً ما تُترك عائلات المختفيين قسرياً في حالة من عدم اليقين، ولا تعرف مكان وجود أحبائها أو مصيرهم.
ويمكن أن يكون لذلك أثر مدمر على زوجات المختفين وأولادهم، مما يؤدي إلى مضاعفات اجتماعية ومدنية. بالإضافة للآثار السلبية والأمراض التي تلحق بأهالي المغيبين.
تقول “أم إبراهيم” في حالة ابنها البكر “إبراهيم” الذي تم اختطافه من منزله بريف إدلب الجنوبي على أيدي عصابات مسلحة ترجح أنها تنتمي لتنظيم جبهة النصرة المعروفة اليوم باسم هيئة تحرير الشام “ابني راح ظلم بظلم ما عنده شي يدينه حتى نقول أخدوه لهذا السبب، حارمين أهله وزوجته وأطفاله منه بدون سبب”.
وكان قد مضى على اختفاء “إبراهيم” قرابة خمس سنوات كما تروي لنا والدته مؤكدتاً استمرار تأثير غيابه بشكل كبير عليها وعلى والده فقد حلت عليهم الأمراض جميعها من مرض السكري والضغط والديسك وغيرها، حزنا وقهرا على غياب ابنهم.
وتصرُّ “أم إبراهيم” على أن أمومتها لا تسمح لها بنسيان ولدها أبدا فهي تتذكره في كل لحظة ومع قدوم أي مناسبة من أعياد أو غيرها وكلما زاد غيابه كلما زاد وضعها الصحي والنفسي سوءا إذ أنها تعاني من قلق مستمر وتخوف دائما من تعرض ولدها لأي أذى كان بالإضافة للأحلام التي تذهب بها الى ولدها في الكثير من الليالي، لكنها لا تزال في حالة ترقب دائم لعودته لأحضان عائلته وأولاده.
المضاعفات الاجتماعية والمدنية
تواجه زوجات وأطفال المختفين قسرياً مجموعة من المضاعفات الاجتماعية بسبب حالتهم الاجتماعية. وهذا يشمل قضايا مثل وصمة العار والعزلة ونقص الدعم من المجتمع.
بدون وجود الزوج أو الأب، يمكن أن تجد النساء والأطفال أنفسهم في وضع ضعيف، مع وصول محدود إلى الموارد والشبكات الاجتماعية.
كما أن زوجات وأطفال المختفين قسرياً قد يواجهون أيضاً تعقيدات مدنية بسبب حالتهم الاجتماعية. مثل عدم الاعتراف القانوني بحالتهم الزوجية، وانعدام الأمن المالي، وصعوبة الوصول إلى العدالة.
وبدون الاعتراف القانوني بحالتهم الزوجية، قد تجد النساء والأطفال أنفسهم غير قادرين على الوصول إلى الحقوق والخدمات الأساسية، مما يتركهم ضعفاء وغير محميين، وبدون وجود الزوج، قد تواجه النساء أيضاً وصمة عار والتمييز من المجتمع، مما يجعلهن ضعيفات ومعزولات.
تقول أم محمد وهي زوجة مغيّب في سجون هيئة تحرير الشام منذ سنة 2018:
غادرت الأراضي السورية باتجاه تركيا بعد انتظار عام كامل دون جدوى، خلال هذا العام لم يبق مركز أو أمنية أو دار قضاء لهيئة تحرير الشام لم أزورها وأسأل عن زوجي، لكن الأجوبة كانت دائماً ليس موجود لدينا هذا الاسم، مع أنهم اعتقلوه من على أحد حواجزهم المتواجدة في المنطقة بشهادة شخص كان يرافقه.
عدم وجود زوجي معنا في ظل الظروف التي تمر بنا من نزوح وشتات جعلنا بحالة يرثى لها، بدون مصدر دخل ولا مأوى ولدينا أطفال صغار، هذا ما دفعني للهجرة إلى تركيا.
غياب الزوج عن العائلة دفع “أم محمد” لمغادرة البلد مع أولادها خوفا عليهم من أي خطر يمكن أن يلحق بهم بعد اختطاف والدهم، لكن ذلك لم يكن سهلا من الناحية الاقتصادية والتربوية إذ تعاني الزوجة من صعوبات مادية في تأمين احتياجات العائلة المكونة من طفلين أكبرهم لم يتجاوز سن البلوغ، بالإضافة للمشاكل النفسية التي لحقت بهم إثر غياب والدهم من قلق وعزلة.
التأثير على أطفال المختفين قسرياً
إن آثار الاختفاء القسري على الأطفال والزوجات مدمر بشكل خاص. بدون وجود الأب أو الزوج، كما يمكن للأطفال أن يجدوا أنفسهم بدون نموذج يحتذى به فاقدين حتى الشعور بالأمان، وقد يفتقر الأطفال إلى الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى، مما يجعلهم معرضين للخطر وفي وضع صعب.
يعتبر الاختفاء القسري عملاً قاسياً وغير انساني وله أثر مدمر على حياة المتضررين. على وجه الخصوص، وغالباً ما يعاني أطفال المختفين أكثر من غيرهم، مواجهين الضيق وعدم اليقين على الدوام.
عندما يختفي أحد الوالدين قسراً، يترك الطفل مع إحساس عميق بالخسارة والارتباك والخوف. وقد يكونوا غير قادرين على التعامل مع الغياب المفاجئ لأحد الوالدين، ويواجهون أيضاً صعوبات مالية وإهمالاً جسدياً وعاطفياً ونقصاً في الدعم. وعندما لا يتمكن الأطفال من الوصول لمعلومات حول مصير آبائهم، يتركون مع شعور دائم بعدم اليقين واليأس، يؤدي بهم للشعور بالعزلة، وقلة الانتماء، ويصبح الأمر من الصعب التغلب عليه.
بدون دعم أحد الوالدين، قد لا يتمكن الطفل من الوصول إلى الدعم العاطفي والنفسي الذي يحتاجه للتعامل مع مشاعره، مما يؤدي إلى الكثير من المشكلات الصحية والعقلية طويلة المدى، كـ تدني احترام الذات، وصعوبة تكوين العلاقات، وتعاطي المخدرات وغير ذلك.
يحتاج أطفال المغيبين قسراً إلى الدعم على كافة النواحي، فهم بحاجة للوصول إلى الخدمات التي يمكن أن تساعدهم في التغلب على الصدمة الناتجة عن تجربتهم وتزويدهم بالدعم العاطفي والنفسي الذي يحتاجون إليه للمضي قدماً. كما يحتاجون أيضاً إلى الوصول لفرص التعليم والعمل، حتى يتمكنوا من بناء مستقبل أفضل لأنفسهم. ولا بد من التأكيد أن أطفال المختفيين والمغيبين ليسوا وحدهم وأنهم جزء من مجتمع من الناجين، ومن مسؤوليتنا ضمان سماع أصواتهم وتلبية احتياجاتهم، والتضامن معهم والعمل معاً لضمان عدم نسيان قصصهم، ومحاسبة المسؤولين عن معاناتهم.
حيث يزيد الأمر سوء عندما يتخلى أحد الوالدين عن الأطفال في حالة اختفاء أحدهما كما في حالة الطفلتين “مرح وروان” اللواتي يواجهن الحياة بمفردهما مع جدتهما بعد اختفاء والدهما منذ عام 2016 على أيادي مجموعة تابعة لـ جبهة النصرة وتخلّي والدتهم عنهما.
لايزال في سجون هيئة تحرير الشام أكثر من 2000 شخص مغيّب ومختفي قسرياً بحسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الانسان وسط صمت دولي ومحلّي.