توثيق انتهاكات جبهة النصرة في سوريا
documentation Jabhat Nusra Violations in syria

عائلات المختفين قسريا بين معاناة الفقد وظلم الابتزاز المالي

تتضمن الجرائم ضد الإنسانية مجموعة واسعة من الأنواع بما في ذلك حالات الاختفاء القسري، الذي برعت به أطراف النزاع المختلفة في سوريا.

ويعد الاختفاء القسري جريمة مستمرة باستمرار اختفاء الضحايا، ولا تقتصر تداعيات هذه الجريمة على الضحايا فقط بل تمتد لعائلاتهم التي ترزح تحت وطأة الفقدان والانتظار الطويل في ظل انعدام أية إجراءات قانونية تمكنهم من الكشف عن مصير المختفي\ة.

ينعكس الاختفاء القسري للأبناء على صحة الآباء والأمهات أمراض خطيرة

“مضى على اختفاءه أكثر من ثلاث سنوات ونصف، كان تأثير غيابه كبيرا عليَّ وعلى والده فقد حلت علينا الأمراض جميعها من مرض السكري والضغط والديسك وغيرها، حزنا وقهرا على غيابه” هكذا بدأت (أم خالد) حديثها عن ولدها الذي تم اختطافه قبل سنوات من منزله بريف إدلب الجنوبي على أيدي عصابات مسلحة ترجح أنها تنتمي لتنظيم جبهة النصرة المعروفة اليوم باسم هيئة تحرير الشام.

وتؤكد (أم خالد) أن أمومتها لا تسمح لها بنسيان ولدها أبدا فهي تتذكره في كل لحظة ومع قدوم أي مناسبة من أعياد أو غيرها وكلما زاد غيابه كلما زاد وضعها الصحي والنفسي سوءا إذ أنها تعاني من قلق مستمر وتخوف دائما من تعرض ولدها لأي أذى كان بالإضافة للأحلام التي تذهب بها الى ولدها في الكثير من الليالي، لكنها لا تزال في حالة ترقب دائم لعودته لأحضان عائلته وأولاده.

تقول (أم خالد) في حادثة اختطاف ولدها الذي كان يعمل في القطاع الصحي، أنه لم يحمل السلاح يوما ولم يشارك بأي عمل مسلح وأمضى جلَّ وقته بين عمله ومنزله الكائن على أطراف قريتهم، ما جعله صيدا ثميناً وهو ابن عائلة معروفة بنشاطها السلمي في الثورة السورية وثقافتها العالية وأحوالها الميسورة، فاختطفته عصابات هيئة تحرير الشام وبعد مضيّ شهرين على اختطافه تواصلوا مع عائلته وطلبوا فدية قدرها400 ألف دولار أميركي وسط عجز العائلة عن استيعاب الطلب أو الاستجابة له.

كانت المرة الأخيرة التي سمعت العائلة بها صوت ابنهم عندما حاول الخاطفين أن يجعلوه يردد كلمات الاستغاثة على مسامع عائلته، لكن كمية المبلغ غير المقدور عليها بأي شكل من الأشكال أجبر الوالد على الاعتذار من ابنه وهو يقول “سامحنا يا ابني المبلغ صعب وبدو دولة لتأمنوا” فيجيب الابن المخطوف “لا حول ولاقوه إلا بالله ثم يبكي” ويغلق الخاطفون الاتصال.

 

الشتات مصير العائلات التي يغيب عنها المعيل

غياب الزوج عن العائلة دفع زوجة خالد لمغادرة البلد مع أولادها خوفا عليهم من أي خطر يمكن أن يلحق بهم بعد اختطاف والدهم، لكن ذلك لم يكن سهلا من الناحية الاقتصادية والتربوية إذ تعاني الزوجة من صعوبات مادية في تأمين احتياجات العائلة المكونة من أربعة أطفال أكبرهم لم يتجاوز العشرة أعوام بعد، كما تعاني من مسؤولية تربية أولادها والمشاكل النفسية التي لحقت بهم إثر غياب والدهم من تمرد وعزلة، وتساءلهم المستمر حول والدهم، عن مكانه ومتى سيعود ولماذا هو غير موجود معهم والكثير من الأسئلة كما حدثتنا أم خالد.

 

وتتخوف ام خالد من استمرار غياب ولدها ما يمكن أن يدفع زوجته للعودة إلى أهلها وترك الأطفال كما تحتم عليها العادات والتقاليد المجتمعية، وهذا سيجعل الأطفال في موقف لا يحسدون عليه أبدا، مشيرة أن لا أحد يمكن أن يعوض مكان الوالدين مهما فعل الآخرين كما وتشير إلى كبر سنها وزوجها الذي لا تدري كم سيسمح لهما بالبقاء إلى جانب الأحفاد ومساندتهم.

 

ابتزاز مادي مقابل الكشف عن مصير المختفين قسريا

تجارب كثيرة خاضتها عائلة أم خالد في محاولة لمعرفة أي معلومة عن ابنهم المختفي، بعد أن أخبرهم أكثر من شخص ممن أفرج عنهم من سجون هيئة تحرير الشام أنهم رأوه في السجن، وفي كل مرة يحاولون الوصول لابنهم كان الوسطاء ممن يتبعون لهيئة تحرير الشام يطلبون المال مقابل المعلومة أي كانت، مقطع صوتي مسجل للمختفي أو صورة حديثة أو حتى اتصال صغير أو زيارة.

 

طلب الوسيط في أحد المرات مبلغ مالي قدره ألفين دولار أمريكي مقابل تأمين زيارة تطمأن بها العائلة على حال ولدهم في سجن حارم الواقع شمالي غربي إدلب حيث تم ذكره آخر مرة، لكنه وبعد استلامه المبلغ لم يعد يجيب على اتصالات العائلة وبعد محاولات كثيرة للتواصل معه هددهم بعدم التواصل ثانية وإلا سيتم اعتقالهم فور دخولهم إلى إدلب.

تقوم أم خالد “أنا أم شهيد ولا أحزن على ولدي الشهيد لأنني أعرف أنه ذهب إلى ربه لكن حزني لا يتوقف على إبراهيم لأنني لا أعرف مصيره هل مازال على قيد الحياة أم لا، كل ما أتمناه هو الكشف عن مصير ولدي وكل المختفين قسريا حتى ينتهي هذا الألم”

 

وقد أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن 2287 شخص بينهم 37 طفلاً و44 سيدة لا يزالون قيد الاحتجاز أو الاخفاء القسري لدى هيئة تحرير الشام وسط صمت عام.

قد يعجبك ايضا