توثيق انتهاكات جبهة النصرة في سوريا
documentation Jabhat Nusra Violations in syria

الأثر النفسي على أسر ضحايا هيئة تحرير الشام نتيجة اختفاء ذويهم

آثار نفسية حادّة يعاني منها ذوي المختفين قسريا لا تختص بفئة معينة دون غيرها إنما تقع على جميع أفراد الأسرة الأمر الذي يجعلها تتسبب بمشاكل أسرية ومجتمعية عديدة تتفاقم ببعض الأوقات لتشكل ندبات وعقد نفسية تعود وبالا على أصحابها وتأبى أن تندمل مع مرور الزمن، إذ لا تقتصر تداعيات جريمة الاختفاء القسري على الضحايا فقط، بل تمتد إلى عائلاتهم، التي ترزح تحت وطأة الفقدان والعجز والانتظار الطويل، في ظلِّ انعدام أية إجراءات قانونية يمكنهم اتباعها لمساعدة الضحية.

“غابت البهجة عن المنزل منذ أن اختطفوه منا قبل عدة أشهر” بهذه العبارة بدأت “سناء” حديثها عن حادثة اخطاف زوجها الذي تم اعتقاله على أحد حواجز “هيئة تحرير الشام” شمال إدلب دون سبب يذكر مع عدم الاعتراف بوجوده من قبلهم حيث حاولت زوجته البحث عنه مرارا دون جدوى، بل مع الكثير من الاهانات والذل والتهديد من قبل عناصر الهيئة المتواجدين على أبواب مقراتهم ومراكزهم الأمنية.

تضيف سناء “الكثير من الكوابيس بات ترافقني كل ليلة” وذلك بسبب تفكيرها المستمر بزوجها ووضعه الصحي خاصة أنه مريض بمرض مزمن يحتاج أدوية على الدوام إضافة لسؤال أطفالها عن والدهم كل يوم واخفاءها عنهم الأمر لصغر سنهم وعدم قدرتهم على تقبل الفكرة ما يجعلها تعيش داخل دوامة يصعب الخروج منها حيث لم يعد يجدي مع الأولاد رواية سفر الأب الى بلاد بعيدة لكي يعود اليهم يوما محملا بالهدايا واللعب حسب وصفها ، ويجدر الإشارة الى أن فقدان أحد الوالدين عن طريق الاختفاء يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان المكفولة للطفل.

وزاد الأمر سوء بعد حدوث الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد شمال سوريا حيث تتساءل “سناء” عن حال المغيبين قسريا والمعتقلين في سجون هيئة تحرير الشام ممن لا يملكون خيارات الهروب من تحت السقف الذي وضعوا تحته ومن الممكن أن يسقط فوق رؤوسهم في أي لحظة دون أن يدري العالم بهم أو يسمع الأمر الذي جعلها تعيش قلقا مضاعفا وحالة نفسية لا تحسد عليها كما وصفت.

غياب الآباء عن عوائلهم يُحدث شللا في جميع مفاصل الحياة الأسرية ويسبب مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية يصعب تجاوزها تكون ذات أثر على العائلة، ذلك لأن الآباء هم عماد البيوت وأساس بنائها فهم القائمون على رعاية عائلاتهم وتقديم قوتهم ومستلزماتهم ويزيد الأمر سوء في وضع الكوارث حيث يشعر الأبناء أنهم ضعفاء بدون والدهم أو والدتهم لأنهم الأمان الوحيد في ظل الخوف الذي يسيطر على الناس بشكل عام كما أشارت “إيناس معمار” أخصائية نفسية تعمل في منظمات العمل الإنساني شمال غرب سوريا.

يعاني ذوي المختفين قسرا من مشاكل نفسية كثيرة كاليأس، الخوف، الكآبة والعزلة بالإضافة لمشاكل نفسية واضرابات من القلق وغيرها والتي تعود على ذوي المختفي بمضاعفات سلبية كبيرة، ويزيد حال التهجير الوضع سوءا لذوي المختفين وبالأخص بعد اتخاذهم مخيمات شمال ادلب مأوى لهم والذي يفتقر لأدنى مقومات الحياة في ظل غلاء وخوف من مجهول قادم يقع عبئا على أسرهم.

وفي هذا الصدد توجه “سناء” رسالة للعالم أجمع مطالبة الناس أن يشعروا بمصابهم وأن يقفوا بجانبهم معنويا وماديا وأن ينقذوا أطفالهم من الضياع بعد غياب المعيل وأن يدعموا وجود محاكم عادلة تساعد في الكشف عن مصير المختفين قسرياً لدى هيئة تحرير الشام.

 

ووفقا لتقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن 2287 شخص بينهم 37 طفلاً و44 سيدة لا يزالون قيد الاحتجاز أو الاخفاء القسري لدى هيئة تحرير الشام وسط صمت عام.

وتعاني أسر وأصدقاء المختفين\ات من تعب نفسي مستمر، لعدم معرفتهم إن كان الشخص الضحية لا يزال على قيد الحياة، وإذا كان الأمر كذلك، فأين يحتجز، وما هي ظروف احتجازه، وما هي حالته الصحية. كما أنهم يدركون أنهم مهددون أيضا، وأنهم قد يتعرضوا  لذات المصير في حال بحثهم عن الضحايا.

وتزداد محنة الأسرة من جراء العواقب المادية للاختفاء القسري وهذا لأن الشخص المختفي غالباً ما يكون هو العائل الرئيسي للأسرة وأحيانا يكون الفرد الوحيد في الأسرة الذي يستطيع العمل وعلى هذا يتفاقم الاضطراب العاطفي باقترانه بالحرمان المادي ما يؤدي لضغوطات نفسية تؤدي بصاحبها لاضطرابات نفسية حادة تصل للاكتئاب أو العزلة أو غير ذلك من المشاكل النفسية.

وعلاوة على ذلك، فإن ذوي المختفين\ات لا يعلمون إن كان المختفي\ة المرتبط\ة بهم سيعودون يوما  فيصعب عندها التكيّف مع الوضع، وفي بعض الحالات، قد لا تسمح سياسة المنظمات الاغاثية  تقديم أي إعانات إن لم تقدم  السيدة شهادة وفاة لزوجها. فتكون النتيجة في أغلب الحالات أن تعيش الأسرة مهمّشة اقتصادياً واجتماعياً ما يؤثر بدوره على حالتهم النفسية أيضا.

في الوضع السوري يتعايش أهالي الشهداء مع فكرة الفقد على وجهٍ من الوجوه، ففي العيد يتذكّرون أولادهم وذويهم، ويذهبون لزيارتهم في القبور في معظم الحالات حاملين لهم الدعوات والورود، ويسقون الزرع والريحان الذي زرعوه على قبور شهدائهم، كذلك ذوو المسجونين تعايشوا مع الفكرة مع زيارات متقطعة لهم في المناسبات كالأعياد متأملين بقرار عفو من هنا أو هناك يشمل أبنائهم أو يشغلون أنفسهم بعد الأيام التي بقيت لتمضي فترة الحكم ويصبح سجينهم حرا خارج القضبان.

لكن الأمر مختلف والمعاناة أشد عند ذوي المختفين قسريًا، إذ تفترس هؤلاء مشاعر هي أقسى من مشاعر الفقد والغياب، كونهم واقعين بين فكّي الرجاء واليأس، تسحقهم هواجس المصير المجهول، المخيف، حتى يكاد بعضُهم أن يعلن الاستسلام لها، ثم يستيقظون على حلم أو رؤية تمنحهم بعض اليقين بأن أحبتهم لا زالوا على قيد الحياة في مكانٍ ما، لا يعرفونه، لكنهم سيعودون.

قد يعجبك ايضا