شهادات ناجون من سجون هيئة تحرير الشام
يستيقظ أحمد كل صباح فزعاً خائفاً يلهث بشدة ينظر داخل غرفته يبحث عن شربة ماء تطفي نار ذكرياته.
منذ ثلاث سنين وأحمد على هذه الحالة يخرج مسرعاً من بيته دون أن يأكل. يدخن بشراهة لحيته طويلة ووجهه شاحب.
أحمد سجين سابق لدى هيئة تحرير الشام فرع العقاب لمدة ثلاث أعوام بتهمة عمله بالصحافة الاستقصائية، يتكلم أحمد بعد تنهدات عميقة ويبدأ حديثة عن معاناته الحالية، الكوابيس لا تفارقه وصرخات رفاقه كالطنين المستمر في اذنيه، يستهل حديثة عن أنواع التعذيب التي تعرض لها والتي ما تزال علاماتها حافرة في جسده، يلوح بكلتا يديه عالياً وهو يستذكر التابوت قال أنه بقي فيه لمدة 12 يوم وهو عبارة عن صندوق حديدي يثبت في جدار يبلغ ارتفاعه المترين والنصف وعرضة الستين سم وعلى ارتفاع المئة وعشرين سم يوجد صفيحة حديدة منحنية موصولة على مقبض خارجي قابل للتحريك وفي اعلى الصندوق يوجد قضبان ثلاثة، وقف أحمد على جدار وهو يحاول جاهداً تمثيل ما حصل فالشخص الذي يتعرض لهذا التعذيب يقف داخل الصندوق مكبل اليدين الى الأعلى ويغلق علية الباب وتبدأ الصفيحة المنحنية بضغطة من جهة الصدر الى الجدار ويبقى على هذا الحال أيام وأيام يتناول طعامه في قلب الصندوق مرة واحدة يومياً ومعها كأس من الماء ويعود الى الوقوف المستمر الى أن تنهار قواه ويصرخ بإنه سيعترف، أنزل أحمد راسة قليلا الى الأسفل ودمعت عيناه وهو يستذكر رفاق له في توابيت الموت انهارت قواهم وفقدوا حياتهم، ارتعش بشدة عندما استذكر قدوم السجان وفتحة لباب تابوت انهار صاحبه ومات وصوت ارتطام السجين بالأرض مغشي عليه عندما يقص السجان للأشرطة البلاستيكية التي ثبت بها يدا السجين الى الأعلى.
وقف أحمد بسرعة محاولاً تمثيل نوع آخر من العذاب وهو تعذيب العقرب اتجه صوبي مباشرة أمسك يدي اليمنى ولفها باتجاه ظهري من ناحية خاصرتي وأمسك يدي الأيسر ولفها باتجاه ظهري ولكن من ناحية كتفي الايسر وبدأ يشدهم محاولا إيصال راحتي يدي الى بعضهم المسافة بينهما بعيدة شعرت أن عضلات يدي وعظامهما تتقطع تركني ارجع يدي وقال العقرب أصعب تعذيب يمكن أن تلقاه عندما يتم شد يديك وايصال كفوف يديك لبعضهم وتكبيلهما وتركك تصرخ وتصرخ من الألم، يشعل أحمد التبغ ويدخن بشراهة ويقول الى الان لا أشعر بكفيي الى الان وبعد ثلاث سنوات أشعر أن يدي تتقلصان.
فتح أحمد فمه وبدأ يريني أسنانه المتآكلة وبدأ يسرد قصة رعب جديدة وهي التعذيب بالملح، ضم كفيه وهو يحاول وصف حجم الملح الذي يوضع في فم السجين غصباً ويغلق فمه بشريط لاصق كي لا يستطيع أن يبزقه ويترك لمدة عشر دقائق كان يكوي الملح فمه ويأكل لسانه وبعدها يزال الشريط اللاصق ويدخلون الماء عنوة الى فم السجين كي يغسلوها من الملح، يصف أحمد أنه لم يكن قادراً على الكلام أبدا وأنه شعر أن فمه كمغارة في جبل حتى لسانه لم يستطع ان يتذوق أي شيء الا بعد سته أشهر من عملية التعذيب تلك وهو يردد انه غير تابع لاي جهة خارجية وأنه يعمل في مجال الصحافة فقط
ارتسمت ضحكة غريبة على وجه أحمد واستهل القول بأنه بعد عامان ونصف خرج الى القاضي الذي كان مقنع وأسمر وسعودي اللهجة وأن القاضي أخبره أنه لا يوجد دليل ضده ولكن هو الذي وضع نفسه محل الشبهات وانه خطر على المجتمع وأن أمرة بيد السلطان وأن السلطان (أبو محمد الفاتح) يحق له أن يسجن على الشبهات لضمان أمن المجتمع والمسلمين، ارتفعت ضحكة أحمد عندما بدأ يقارن بين سجون النظام وسجون هيئة تحرير الشام فقال ما الفرق النظام يسجن تحت مسمى حالة الطوارئ او الإرهاب والهيئة تسجن احترازيا بسبب الشبهات هناك يجب ان تقول يا (معلم) وهنا يجب ان تقول (يا شيخ) هناك يتم إعدام السجناء بالمحاكم الميدانية وهنا يتم اعدامهم بالمحاكم الشرعية هناك تنقطع أخبار اهلك ولا يسمح بالزيارة وهنا ثلاث أعوام ولم يستطع احد زيارتي هناك يستولون على كل ما تملك بحجة قانون الإرهاب وهنا أيضا يستولون عليها بحجة الغنيمة والتكفير فما الفرق؟؟؟
سعاد أمرأه اربعينية تزوجت من شخص يكبرها بثلاثين سنة وأنجبت منه أطفال وبعد موت زوجها تصارعت هي وأبنائه على الميراث وبما أنهم أمراء في هيئة تحرير الشام ولهم سلطة أمنية فقد لفقوا لها تهم كثيرة وأوعزوا لعناصرهم الأمنية اعتقالها.
أرادت الهرب الى تركيا وعلى الحدود هناك كان الجو ماطر بغزارة وهي غريبة عن المنطقة طلب المهرب هويتها الشخصية لتسجيل اسمها عبر المعابر غير الشرعية والتي تشرف عليها هيئة تحرير الشام لقاء مبالغ مالية طائلة. فجأة تغير وجه العسكري وأمر الجنود بإحضار سعاد دون عن كل الأشخاص المستعدين لعبور الحدود. دمعت عيناها عندما بدأت تشرح كيف تم القبض عليها حيث انهم ألقوها على الأرض الموحلة وبدأوا بالركل ومن ثم قيدوا يداها سحبوها الى سيارة دفع رباعية أغلقوا عيناها وبدأت اللكمات تأتيها داخل السيارة.
تقول لم أعد أعرف أين أنا تتوقف السيارة فجأة ويتمازح السائق مع عسكري كان يقف ربما على حاجز ويقول له (جبنا لكم خنزيرة برية) فيرد عليه العسكري القول (بس خنزيرة حلوة). تكمل سعاد وهي تفرك يداها ببعضهم أدخلوني زنزانة انفرادية متسخة جداً جلست وانا لا أدرك أين أنا وبقي الحال على ما هو علية لعشرة أيام لا أرى فيها الا الجدران ولا اسمع الى عويل التعذيب وصرخات الألم وكل يوم يفتح على شاب مقنع نافذة صغيرة ويلقي لي بالطعام كأنني انثى حيوان برية.
تكمل سعاد حكايتها فتقول: بعد عشر أيام وفي الصباح أسمع طقطقة المفاتيح والأقفال ويفتح باب الزنزانة ويرمى لي بقناع لعيني وأمرني أن أضعه بسرعة ومن ثم أعطاني طرف كبل كهربائي وأمرني أن أمسكه وبدأ يتحرك وأنا أمشي ماسكة طرف الكبل أدخلني غرفة وأمرني بالجلوس على كرسي ومرت ساعة كاملة وأنا أنتظر، قدماي ترتجفان وأسناني يسمع لهم طقطقة ليقاطع كل هذا المشهد صوت عميق كان خلفي ويقول لي (بردانة) وبدأ سيل الشتائم والضرب بنفس الكبل الكهربائي وطرح أسئلة لا أفهمها بسبب لهجته البدوية.
ساعة كاملة وأنا في حالة انهيار لا أعرف ما أجيب ولا أفهم ماهي التهم ولماذا يضربني كل هذا الضرب وقعت من على الكرسي وبدأ بركلي وأنا أتفادى ضرباته حتى أن جسدي كشف من تحت العباءة التي ألبسوني إياها أحسست ان نزيف قد أصاب رأسي وأغمي عليّ ولم أستيقظ الّا في زنزانتي.
خمس شهور مرت تقول سعاد وأنا بشكل اسبوعي أخرج الى ذلك المحقق لا أعرف التهم الا أنني أعذب بشدة، أقضي الليالي وحيدة أتكلم فيها مع نفسي كي لا أنسى الكلام.
تبعد سعاد شعرها عن وجهها وتجمعه خلف أذنيها وتكمل (بعد ثماني أشهر من الاعتقال أخرج من المنفردة بنفس الطريق يرمي السجان لي طرف السلك الكهربائي كي لا يمسك يدي واتجه الى غرفة ويتم الكشف عن عيناي وأرى ثلاث رجال ملتحيين كان كلامهم هادئ وبدون أي عصبية على خلاف ذلك المحقق وبدأوا يحققون معي بهدوء وروية وأنا أنكر كل التهم التي اتهموني بها ولكن استوقفتني جملة قالوها وهي أنك هنا منذ ثمان أشهر ولم يتعرض لك أحد بأذى وسألوني إن كنت قد تعرضت لأي أذى ليسبقني المحقق الذي ما زال مقنع ويقول: ( أبدا يا شيخ ) ابتسمت قليلا حينها وأنا أرى كم النفاق الذي أعيشه.
تكمل سعاد فتقول: بعد ثلاث أيام من تلك الجلسة وبتاريخ 13/3/2019 الساعة الرابعة والربع بعد صلاة العصر صوت انفجار يهز السجن بقوة تلاه صوت آخر وأصوات تحطم المكان لا أزال أشعر بها.
ربع ساعة كاملة والمكان يهتز بقوة شديدة، أحد المساجين حطم أقفال باب الزنزانة وفتح الباب وقال لي من هنا من هنا.
خرجت من المبنى وما تزال أصوات الانفجارات تضرب السجن لم أدرك ما يحصل إلا أنني أحاول بكل قوتي أن أهرب من المكان، لم يكن عندي خيار إلا أن أركض وصلت الى بيت مهجور نمت ليلتي هناك لم أكن أعرف أين أمضي، بقيت ثلاث ليال لا ماء ولا طعام الى أن وصلت الى منزل ورأيت امرأة على بابه قبلت يدها وأنا أبكي وطلبت منها جهاز تواصل تواصلت مع اخي ليأتي بعد ساعة ويروي لي أن السجن قد قصف وأنني مشيت أكثر من خمسين كيلو متر.
خرجت من ادلب الى تركيا بعد فترة وما زالت ندوب التعذيب موجودة وإلى الآن لم أتخلص من الآثار النفسية الرهيبة ومن الكوابيس والاحلام.